منذ الصغر ونحن نعرف أن للجحيم أبواب ولكل باب مفتاح ونعرف أيضا أن يمكن لقلة مغامرة أن تمتلك إحدى مفاتيح تلك الأبواب وجعل ما وارءها حياً ملموساً على أرضنا .اسم الرواية: أبحث عنك.الكاتب: عمرو المنوفي.دار النشر: "ن" للنشر والتوزيع.التصنيف: خيال، رومانسي.
وصاحبنا هنا من أولئك القلة القادرين على إقتناص الشذرات من أعمق أعماق الجحيم في نفوس البشر أو فيما هو بعيد عن مدى رؤيتهم ليقول لهم شيئا ويخبرهم برسالته،ولكن كما نعلم لا أحد يحب أن يعس في أظلم جزء من ذاته أو يرى مالا يراه وإن كان ذلك جزء من الفضول البشري والرغبة في تعذيب الذات وإرعابها ،رغم الخوض لأعراف العقل والمنطق والإعتراف بعدم الرغبة في خوض أي من تلك التجارب المرعبة.، ولكن اليوم قد قام صاحبنا بفتح ذلك الباب الذي يود الجميع أن يستدفئ مما وراءه من نار وسكينة وأمان وإن كان فيها من الألم ومن سطوة تلك النار من بث الأشواق والشعور الجارف لصاحبه إلى طريق لا يعرف عنه شيئا .....
ابحث عنك.....هي رحلة الإنسان ومحاولته لإيجاد نفسه والبحث في طيات ذاته عن الحقيقة وترويض نفسه عن الإنجراف والبعد عن صنع من ذلك النبيل من شعور _ ألا وهو الحب _ جحيم مستعر يدمر الحياة رغم وجوده لبنائها وتخليدها وليس العكس يحمل هذا العمل بين دفتيه دفقات من تنهيدات حارة من الشوق ودموع من ألم الفراق وأمل في الوصال وإجتماع الروح مجددا رغم أنها كانت على وشك السلب؛فبين دفتي هذا العمل و في كل صفحة من صفحاته تكاد تجزم أن ماتراه في الحروف والكلمات حقيقي ويجسد معضلة أخلاقية محضة تعجز أعتى الخبراء ورواد الخيال عن إيجاد الحل والبت في الموضوع بقلوبهم وتلك تكمن المشكلة فلو ترك لقلوبهم العنان ليكونن حاكم ظالم لصاحبه ولمن انجذب له صاحبه ،فكان عليه الإعتدال وتحكيم العقل فهو ضمير القلب يذكره بما نسيه ويلهبه بسياط التعقل ليرى ما غفل عن رؤيته وكان أكسل من ان يشعر به ، فالفكرة هنا تكمن في ضمير القلب او بالأحرى ضمير الحب _العقل _.
وعند الغوص أكتر بين دفتي هذا العالم المتعب الشيق سترى من اللغة والكلمات شأن متصل منفصل في هذا العالم فستجد في ذخائرها تلك التنهيدات والدموع والأحرف المبعثرة الراسمة تلك الخطوط القلبية العريضة التي أطبعت على الكلمات ذلك التبعثر والفوضى النفسية الكبيرة التى تجعلك _ أيها القارئ _ متلاحق الأنفاس متعب يضرم السخط في قلبك والسعادة أيضا متلهف للصفحات القادمة رغم تعبك وإغلاقك للكتاب بعد أول عدة فصول فتفتحته ثانية وتغوص تحت وطأة قوى خفية في ذلك العالم الملئ بالمعاني والمشاعر الحقيقية والحقيقية جدا.....
أما الأحداث وتسلسلها فتجعل المرء أمام عمل سينمائي محكم صنع منه مخرجه هالة كبيرة حول المشاهد فجعله يغضب مع البطل ويدمع مع البطلة ويهيم على وجهه مع البطل في أنفاس متلاحقه ونفوس هائمة عالقة في كوابيس ودنيا سوداء تعجز عن حل المشكلة أو البت في أي رأي فيها، وكان من تسلسل الأحداث بتلك الطريقة الجريئة إلا جعل القارئ في وضع من مأساة الإنتظار والوجل والعجز عن التوقع فكان من ذلك التسلسل الواقع وإنتظار ما الذي ستؤول إليه الأقدار ؟
أما النهاية وإغلاق الأحداث فكان له السبق الذي يجعلك تشعر بأنك أمام عمل متكامل يرجعك لتلك القيم النبيلة التي كان ومازال الأديب الراحل إحسان عبد القدوس يبثها في كلماته وكتبه .، فتجعل المرء في حالة من الرضا والوجل في نفس الوقت ؛ الرضا كونه عدل ومنصف والوجل كونه مؤلم ومر كما الدواء العضوي ولكن هذا الدواء الذي نتحدث عنه ألمه ومرارته ليست الساعات والأيام او السنين كفيلة به بل هو النسيان أو التناسي لانه دواء قلبي روحي فيحدث بالوجدان إلتهاب حاد وألم رغم إلتئام الجرح.
بإختصار يجسد هذا العمل صيحة لعودة النبل من جديد وإحياء تلك القيمة من الحب التي فقدت في تلك الأيام رغم انها تثير الحنق والغيظ احيانا الا إننا في حاجة إليها ألا وهي التضحية او نستطيع القول الإيثار
تعليقات
إرسال تعليق